-بحركة حادة اصدرخلالها حذاءها الرياضي صريراً مزعجاً توقفت رغد وسط
الغرفة،ثم تلفتت بعصبية تتفقد ما حولها ،لم ترى ملابسها فأخذت تجري هنا وهناك
واخيراً تعبت من البحث وتملكها اليأس
،ارتكنت الى ركن وجعلت تبكي في حرقة وخوف .ثم شعرت بيد صغيرة في كتفها ،رفعت
عينيها وسط دموعها فرأت ابتسامة بريئة في وجه مازن وبيده الاخرى يحمل ملابسها وبفرحة ودون وعي تعلقت بعنقه في مرح طفولي ثم اسرعت الى الغرفة .
اثناء
سيرهما الى باحة المدرسة قالت رغد :
-شكرا مازن .
-على شنو يا رغد ،بس كنت عايز اعتذر من الحادث الفات .
-معليش كنت زعلانة ما سامحتك ،هسي سامحتك رايك شنو نكون
اصدقاء ؟
- طبعا موافق ، يسعدني ذلك .
*******
(بعد عشر سنوات من هذه
الحادثة )
، اقبل مازن مبتسما وهو يرى صديقته
الوحيد التي كانت تنتظره في طاولة طرفية في مطعم شهير ، اعتادوا اللقاء فيه منذ
سنة ،مد لها باقة الورد البيضاء ومعها ميدالية فازا بها معا في احدى المسابقات في
الصف السابع ومعها شهادة تقدير يتبادلونها كل سنة – وبعد ان استلمت الميدالية
وبالمقابل استلم منها الشهادة ،قالت :
-كل سنة وانت طيب وصداقتنا اقوى .
- وانت طيبة
واسعد حالا .
-السنة الجاية حندخل الجامعة والامتحانات قربت ،تصدق انا فرحانة شديد .
(تأمل الفرحة التي في وجها ،وتمنى من الله ان تدوم
سعادتها ) ثم قال :
-تفتكري الجامعة حتفرقنا ؟.
- لا لا مافي شي حيفرقنا ،اصدقاء للابد .
ابتسم ثم قال :
- انا بسأل نفسي ليه
مافي يوم يسمى ب"يوم الصداقة " زي ما في عيد الام والحب ،او يوم
عالمي ك اليوم العالمي للايدز واليوم العالمي للمرأة هسي نستفيد شنو من اليوم
العالمي للمرأة ؟ الجهة العملت اليوم دا دافعها شنو؟؟
-و الله كلامك صاح الصداقة شي جميل و....
قاطعها ... -بس المجتمع السوداني رافض الصداقة بين البت
والولد .
ردت:
-ااي و الله و دي نظرة خاطئة جدا ً ، المجتمع لازم يفهم
انو العلاقة بين البتو الولد ما بتحكمها شهوة بس ، في مشاعر نبيلة وحوجة الرجل و
المرأة في التعامل داخل نطاق اسلامي مع
بعضهم البعض .
استطاع مازن
الخروج من الموضوع واجتر سيل الزكريات ، واخذ يقص المواقف الطريفة التي حدثت في
ايام الاساس ، وحتى في الحلة ،فهم جيران منذ الصغر كانت رغد تعامل مازن كأخوها وكل شيء يتقاسمان كل حاجة ، و اللعب معا ،
وتذكرا الخلافات بينهما ، فيبتسمان معا ، ثم يرون صمت رهيب بينهم سرعان ما ينفجران
بالضحك فترة ليست بالقصيرة ، فتمسح رغد دموعها وهي تغالب ضحكاتها .
اقترح مازن
ان يتمشيا قليلا في الخارج ،وافقت رغد .سارا متقاربين ،كعاشقين يسيران قاصدين
الوصول الى القمر ،ثم قصدا شاطئ النيل ،جلسا اسفل شجرة وارفة:
رغد:
-
مازن لو اتزوجنا ،تتوقع ازواجنا يسمحوا بعلاقتنا تكون مستمرة ؟.
مازن :
- ما معروف على حسب مدى فهمهم للعلاقة .
رجعا الى المنزل سويا ولم ينسى ان يمر
على والدة رغد التي الحت عليه ان يجلس
قليلا ، الا انه اعتذر في ادب جم ، وانصرف ،لكن رغد استوقفته قرب الباب وطلبت منه
كتاب يختص بمادة ما ، فأبتسمت الام كانت تتمنى في قرارة نفسها ان يكون مازن من نصيب رغد فهو شاب امين
وصادق و مؤدب ومثقف ،فقالت :
-ربنا يحفظكم لبعض .
لم ينتبه
للهجة الام ،ولا حتى رغد نفسها لم ترى مغزى الدعاء اكتفيا فقط بالابتسام وقول آمين
معاً .
**********
خرجت النتيجة
واحرز مازن درجات اهلته لدخول احدى الجامعات العريقة ،اما رغد فقد دخلت جامعة مغايرة لجامعة مازن ،حزنت
شديد لكن استطاع مازن ان يقنعها وترضى بالواقع .
ببعد
الجامعتين الجغرافي اصبحت اللقاءات قليلة
، وفي اللقاء الاخير وبعد تبادل
الاشياء التذكارية جلسا يحكيان لبعضهم الاحداث التي حدثت لهم وبث الاشواق
وفجاءة ...
اصتدم
النادل بشيء ما فطار ما في يده من اكواب مليئة بالعصائر ،فأتجهت الاكواب كلها
وكأنها موجهة نحو رغد فسقط احد الاكواب في رأسها وآخر في وجهها مباشرة وثالث في
رجليها ورابع وخامس في امامها ،كانت
العصائر ملونة مما جعل رغد اشبه بباقة ورد او لوحة تشكيلية تحمل كل الالوان ضحك مازن ملء شدقيه ولم يستطيع منع الضحك ،اما رغد امتلألت حنقاً وغضبا ً واغتاظت اكثر
من موقف مازن ، ولم تستمع الى اعتذار
النادل سوى انها فهمت من كلامه اشارته الى التوليت ،اصتحبتها فتاة الى الداخل .
خرجت بعد ان عدلت الموقف ،وجدت مازن ما زال مستغرق في الضحك ، فأتجهت فورا الى
الباب خارجة غاضبة ،بلع مازن ضحكه دفع واحدة واسرع يلحقها . استطاع ان يلحق بها و
ان يهدئها ووضح موقفه ،بأن شكلها كان مضحكا بالفعل ، ضحكت بدورها ،والامور هدأت
قليلاً ،لكن يبدوان يومهم هذا يوم المفاجئات
، ففي طريقهم الى المطعم لدفع
الحساب ،وجدوا امامهم آخر شخص يتوقعون لقاءه هذ اليوم .
إرسال تعليق