U3F1ZWV6ZTIwNTE0NDIwNjQ3OTYzX0ZyZWUxMjk0MjI3MDQ0NDIzMw==

قصة عجوز البحر

عجوز البحر
مالت الشمس على الغروب ،موعد عودة الطيور الى اغصانها ...هدأت الحركة...خرجت امرأة ستينية من كوخها متوكأة عصاها بيديها المعروْرَقتين ،متجهة صوب البحر ..بأصابع مرتجفة ،،وخطى متثاقلة ،،وعيون نافذة ،،لم تتأثر بتقدم العمر ..حملتها ارجلها الى منطقة لطالما احبتها ،،قضت معظم اوقات عمرها المسائية متواجدة بها ،محملقة في البحر،،يأخذها وقت الغروب ،،ويسحرها الشروق،،وتعشق اناملها رمال الشاطئ الناعمة ،،و تطرب أذناها لصوت تلاطم الامواج معانقة الضفة ..تتمددت ممعنة النظر الى المياه ،كمن يراها اول مرة ،او...يراها للمرة الأخيرة و للأبد.
تنهدت وارجعت خصلة هربت من رفيقاتها ،و مسحت وجهها الذي تكسوه التجاعيد رغم طراوته -بالماء ،كادت الشمس ان تختفي و للمرة الاخيرة القت نظرة على وجهها المنعكس على سطح ،ثم ابتسمت عندما شبهت خدودها بالاكورديون ،وتحسرت عليها بعد ان كانت ملساء ..مشدودة ،كقطعة مرمر..
الناظر الى وجهها يرى علامات الجمال التي كانت عليه في شبابها ،احتفظت بإبتسامتها الشبابية و الفم الصغيرة المتورد،،و توحي ملامحها بالطول الفارع في صباها ،و غزارة وطول شعرها ،وجهها البيضاوي الشكل ،يزينه فم صغير و انف عربي اصيل وعيون زرقاء ساحرة بها لمعة طبيعية،،هام بها فتيان الحي ،لم يمر يوم لم يتودد لها احد فيه،،لم تكن تهتم ،،فقلبها مولعا بالبحر ،،ابوها صيادا ، لها أخ واحد و أخت واحدة ،تزوجت ابن صياد انجبت ولدان ،توفى زوجها بعد ٦سنوات من زواجها لم تتزوج بعدها ،عاهدت نفسها على تربية ابناءها ،،وفعلت ،ثم أسس كل منهما حياته وخصصا اياما لزيارتها و الاطمئنان عليها.
في طفولتها،،
أدمنت اللعب في الماء ،،وتسعد ايما سعادة عندما تبلل شعرها ثم تدور حولها ،فتهرب قطرات الماء من بين الشعيرات متناثرة حولها، ويجتمع شعرها امام صدرها ،ثم تعيد بَلله ثم تدور حولها مرة ثانية وثالثة ،حتى تحول لون شعرها -قليلا- للذهبي ..
تعودت على الركض على رمال الشاطئ المبلله ،تأخذ مسارا ثم تعود لترى اثر اقدامها ،،تغضب عندما تغمر مياه البحر اثرها .. وبعد ان درست وتعلمت الكتابة ,,احبت كتابة اسمها والبحر على الطين .
تولد حبها للبحر منذ صغرها حتى شابت و بعد ان تزوجت وبإبتعاد ابناءها عنها ..أضحت وحيدة فضلت السكن جوار البحر الذي ظل وفيا لها ومازالت هي...وفية له..كل اشراقه ،،ولحظة غروب لا تفوتها.
مع كل هذا الحب الا انها تخشى الابحار فيه بأي وسيلة ،،تولد هذا الخوف ، في ذاك اليوم الذي صحبت فيه والدها للصيد ،،وانتصفا البحر ،ثم هبت عاصفة هوجاء ضربت المركب بعنف ،اصبح كمركب ورقي في اناء به طفل أخرق ،قذف بهما في الماء وبلغ بها الرعب مبلغه ،،وفجأة هدأت الرياح ..كأن الله استجاب لتوسلاتها بين دموعها ،،حملها اباها على ظهره حتى وصلا المركب الذي دفعته العاصفة لمسافة ليست بالقصيرة و،،نجيا .. الا ان الحادثة ولدت عقدة نفسية من البحر ،،زاد ترسيخها غرق زوجها في رحلة صيده الاخيرة ..وبالرغم من هذا احتفظ البحر بجماله في نفسها ،وسحره المنعكس في عيونها ،،ظل عشقها كما هو ،،الا انها لا تأمنه على روحها ،،فإنها تخشى ان يبتلعها.
***
غابت الشمس واظلمت الدنيا وابتدأت الفوانيس في الإيقاد ..غروب الشمس بأشعته الذهبية ترك في نفسها احساسا بالراحة ،أخذت عصاها وأقفلت راجعه الى كوخها منتشية ،،دخلت ثم ...شعرت بالكئابة و الوحدة ،و رغبة عارمة في العودة للشاطئ،،أخذت شعلة وجمعت في طريقها اعواد جافة ولم تنسى غطاءها الصوفي ،،وصلت مكانها ووضعت الاعواد مجتمعه وشرعت في الاشعال ،،وبعد محاولات تم لها ذلك ،وجلست في مكان حيث تفصلها النار عن الماء،،كان الجو هادئا ،الهواء ساكن ،و لا أثر للقمر في هذه الليلة ،،لا يقطع الصمت الا صوت الماء المتحرك بهدوء ضاربا صخور الشاطئ المتفرقة ،،يبدو الصوت مخيفا الا انها ألفته..تسارعت الساعات ،وتأخر الوقت ،تثاقلت اجفان العجوز و خُيِّل إليها انها ترى ظلالا في الدخان المنبعث من النار و أدركت انها متعبة،،قامت بكل هدوء ملأت الاناء ماءا ثم دلقته في النار مطفئة اياها.. أخذت عصاها ثم خطت خطوتين و...و ألتف حبل حول رجليها و لم يستطع جسمها التماسك ،،فهوت إلى الارض بقوة ،متدحرجة نحو الماء فألتقفها البحر في لهفة ،حاولت الخروج فأنزلقت رجلها ..وصادفت يدها عشبة أمسكت بها وجذبت ثقلها لأعلى ولكن..إقتلعت العشبة من جذرها وسقطت في الماء دفعة واحدة ،خلف ارتضامها بالماء دوي تردد صداه في الارجاء،،صرخت مستنجدة ،،ضربت بيديها مستغيثة ،و صرخت
صرخت..
صرخت..
ثم ساد الصمت .
محمد بخيت ادريس
9\2014م
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة